ربما قد يعتقد البعض أنه من البديهي أن يكون للركض تأثير سلبي على الركبتين، إن الفكرة السائدة هي أن الركض وخصوصاً لمسافات ولفترات طويلة يؤدي إلى حدوث أضرار كبيرة في الركبتين. في الحقيقة من الصعب علينا أن نفكر في غير ذلك، حيث أن العداء ومع كل ضربة قدم على الأرض، تطبق على ركبتيه قوة ضاغطة تعادل 8 مرات وزن جسمه، فمثلاً إن الإنسان الذي يزن 80 كيلوغراماً، سيطبق ضغط على ركبتيه بحوالي 640 كيلوغراماً أثناء ركضه وذلك خطوة بعد خطوة.
هناك حكمة شائعة تقول إن التمرين المكثف أو ممارسة الرياضة الشاقة خلال الشباب يؤدي إلى حدوث إهتراء وتمزق في المفاصل والذي يزيد بدوره من خطر الإصابة بالفصال العظمي لاحقاً في حياة الرياضي أو العداء.
قد يكون ذلك صحيحاً نوعاً ما. ففي دراسة نشرت عام 1999على حوالي 500 إمرأة. بينت أن النساء اللواتي كانوا يمارسون تمارين شاقة خلال سنوات المراهقة أو قاموا بأداء تمارين معتمدة على حمل الأوزان خلال منتصف عمرهم كانت نسبة إصابتهم بالفصال العظمي أعلى من المعدل الطبيعي لإصابة النساء عادة بهذا المرض خلال الخمسين من عمرهم.
لكن خلال بضعة سنين ماضية بدأت دراسات جديدة تظهر عكس ذلك، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالركض. حيث أن هذه الدراسات لم تتوصل إلى أنه لا علاقة للركض بإلتهاب المفاصل فحسب بل إن الركض قد يساعد حتى في حماية الناس من مشاكل المفاصل في مراحل متقدمة من حياتهم.
في دراسة إستغرقت وقتاً طويلاً (أكثر من عشرين سنة) قامت بها جامعة ستانفورد، قام خلالها الباحثون بدراسة حوالي 1000 عداء (كانوا أشخاصاً يركضون بإنتظام) وأشخاص لا يمارسون الركض (بالغون أصحاء لكنهم لا يمارسون تمارين الركض الشاقة)، ولقد كانوا جميعاً في الـ 21 من العمر. لم يعاني أي من المشاركين من إلتهاب المفاصل عند بدء الدراسة وبتقدمهم في العمر بدأت تظهر عندهم مشاكل في حالة الركبة الصحية. في عام 2008 نشرت نتائج الدراسة في مجلة "أرشيف الطب الداخلي" حيث تضمنت أن العدائيين الذين شاركوا في الدراسة لم تكن صحة ركبهم أقل من صحة الركبة عند رفاقهم الذين لم يركضوا، حيث وكما يبدو لم يكن هناك علاقة أيضاً مع المسافات التي ركضوها.
حيث قال البروفيسور جيمس فرايز: "لقد كان هناك عدائون بلغت سرعة ركضهم 200 ميل في الساعة، وبالمقابل كان هناك عدائون كانت سرعة ركضهم 2000 ميل في الساعة. وجميعهم كانت مفاصلهم متشابهة من الناحية الصحية، كما بينت الدراسة أيضاً أن العدائيين قد تأخر تعرضهم للضعف البدني الناتج عن التقدم في العمر وإنخفضت نسبة الوفيات بينهم بحوالي 39% مقارنة مع زملائهم الذين لم يمارسوا الركض.
في عام 2007 نشرت دراسة عمرها 9 سنوات على 1279 شخصاً من كبار السن. أظهرت هذه الدراسة أن إحتمال إصابة الأشخاص الذين يمارسون الرياضة الشاقة بإلتهاب المفاصل هي نفسها بالنسبة للأشخاص الذين كانوا أقل نشاط في ممارسة الرياضة. في نفس السنة، كتب باحثون أستراليون مقال في مجلة "journal Arthritis and Rheumatism" شرحوا فيه أن دراستهم بينت أن الأشخاص النشيطون رياضياً كانت غضاريف الركبة عندهم أكثر سماكة وأكثر صحة، مقارنة مع الأشخاص قليلي الحركة وكثيري الجلوس. ليس هذا فحسب بل إن الدراسة السابقة تعتقد أن هذه التمارين تخفض من خطر الإصابة بالفصال العظمي والذي سببه ضعف وإهتراء الغضاريف.
على أي حال إن الفصال العظمي يصيب عدداً كبيراً من الناس، وسببه الأساسي يعود إلى العوامل الجينية والبدانة (حيث أن الرجال والنساء البدناء معرضون للإصابة بنسبة 4 مرات من نظرائهم ذوي الأجسام النحيلة)، وليس نتيجة للرياضة اليومية أو إهتراء وتمزق المفاصل.
يقول الدكتور فرايز في ذلك: إن المفاصل ذات الوظائف الهامة كالركبتين مصممة طبيعياً لتتحمل الكثير من الضغط. ولأن غضروف الركبتين (الأنسجة التي تحيط بالعظام عند المفاصل) لا تملك أوعية دموية لتوصل الدم إليها فإنها تعتمد على عملية الإنضغاط الناتج عن الحركة لتحصل على نصيبها من الأوكسجين، بمعنى أنك عندما تحمل وزناً فإن المفاصل تضغط السائل الزلالي إلى الخارج وعندما تحرر الوزن يعود توضع السائل إلى مكانه.حيث تحصل الغضاريف على الأوكسجين وبهذا يشرح الدكتور فرايز أهمية الركض أو أداء اي نوع من التمارين الرياضية اليومية للحفاظ على الغضاريف سليمة وبصحة جيدة.
إن ذلك لا ينفي أن هناك إمكانية التعرض للإصابة نتيجة الركض، فأحياناً يؤدي الركض إلى حدوث تمزقات في الأربطة أو حدوث شعر في عظام القدم. والذي ينتج عنه صدوع صغيرة وينتج عن هذا التراكم حدوث كسور دقيقة تظهر في العظام التي تحمل أوزان كبيرة كعظم الظنبوب. لكنه غالباً يتعافى بسرعة وينسى أمره. إن الكسور الناجمة عن الإجهاد الكبير تحدث عندما يكون هناك إجهاد مفاجىء وغير متوقع في العظم، دون الحصول على راحة كافية. على سبيل المثال عندما يعود أحد الرياضيين لممارسة الرياضة بعد فترة إنقطاع عدة أشهر فإنه يعود إلى أداء تمارينه التي كان يمارسها سابقاً ليعود إلى مستواه المعتاد، دون الأخذ بعين الإعتبار للفترة الكبيرة التي لم يكن يمارس فيها التمارين، مما يزيد من خطر إصابته بالكسور الدقيقة الناتجة عن الإجهاد مقارنة مع أصدقائه الذين لم ينقطعوا عن اداء التمارين.
إن الخبر الجيد في ذلك هو أن الكسور الناتجة عن الإجهاد يمكن التخفيف من خطرها. إن احد الطرق السهلة والبسيطة يكون بتقوية العضلات المرتبطة بالعظام، حيث أن الرياضيين أو العدائيين الذين تكون بطات ساقهم قوية يكونون أقل تأثراً بالمشاكل المرتبطة بالمفاصل.
إن تمرين بطات الساقين البسيط، والذي يعتمد على رفع الجسم بأصابع القدمين حوالي 12 تكرار كافية لتزيد من قوة عضلة بطة الساق وبالتالي تزيد من قوة عظم الظنبوب.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.